بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الامام محي السنة قامع البدعة ابو عبد الله الشهير بابن قيم الجوزية رحمه الله ورضي عنه
-في كتابه الفوائد- من الصفحة 3إلى5: قاعدة جليلة
اذا أردت الانتفاع بالقرآن فأجمع قلبك عند تلاوته وسماعه والق سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه اليه(الضمير الأول في لفظه منه عائد الى من تكلم : والضمير الثاني في لفظه اليه عائد الى من يخاطبه) ،فانه خطاب منه لك على لسان رسوله: قال تعال [ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد] وذلك ان تمام التأثير لما كان موقوفا على مؤثر مقتض ومحل قابض وشرط لحصول الاثر وانتفاء المانع الذي يمنع منه تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد: فقوله[ان في ذلك لذكرى]اشارة الى ما تقدم من أول السورة الى ههنا: وهذا هو المؤثر :وقوله [لمن كان له قلب] فهذا هو المحل القابل: والمراد به القلب الحي الذي يعقل عن الله كما قال تعال [ان هو الا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا] أي حي القلب : وقوله [أو القى السمع ] أي وجه سمعه وأصغى حاسة سمعه الى ما يقال له : وهذا شرط التأثر بالكلام: وقوله[وهو شهيد] اي شاهد القلب حاضر غير غائب * قال ابن قتيبة استمع كلام الله وهو شاهد القلب والفهم ليس بغافل ولا ساه * وهو اشارة الى المانع من حصول التأثير وهو سهو القلب ووغيبته عن تعقل ما يقال له والنظر فيه وتأمله: فاذا حصل المؤثر وهو القرآن والمحل القابل وهو القلب الحي ووجد الشرط وهو الاصغاء وانتفى المانع وهو اشتغال القلب وذهوله عن معنى الخطاب وانصرافه عنه الى شيء آخر وهو الانتفاع والتذكر*[فان قيل] اذا كان التأثير انما يتم بمجموع هذه فما وجه دخول أداة أو في قوله [أو القى السمع] والموضع موضع واو الجمع لا موضع أو التي هي لأحد الشيئين* قيل هذا السؤال جيد والجواب عنه ان يقال خرج الكلام بأو باعتبار حال المخاطب المدعو فان من الناس من يكون حي القلب واعيه تام الفطرة فاذا فكر بقلبه وجال بفكره دله قلبه وعقله على صحة القرآن وانه الحق وشهد قلبه بما أخبر به القرآن فكان ورود القرآن على قلبه نورا على نور الفطرة وهذا وصف الذين قيل فيهم [ ويرى الذين أوتو العلم الذي أنزل اليك من ربك هو الحق] وقال في حقهم [الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح والمصباح في زجاجة والزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور عل نور يهدي الله لنوره من يشاء] فهذا نور الفطرة على نور الوحي . وهذا حال صاحب القلب الحي الواعي :قال ابن القيم وقد ذكرنا ما تضمنت هذه الىيةمن الأسرارفي كتاب اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو المعطلة والجهمية* فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين معاني القرآن فيجدها كأنها قد كتبت فيه فهو يقرأها عن ظهر قلب :ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد واعي القلب كامل الحياة فيحتاج الى شاهد يميز له بين الحق والباطل ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وزكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الحي الواعي فطريق حصول هدايته ان يفرغ سمعه للكلام وقلبه لتأمله والتفكر فيه وتعقل معانيه فيعلم حينئذ أنه الحق: فالأول حال من رأى بعينيه ما دعى اليه وأخبر به : والثاني حال من علم صدق المخبر وتيقنه وقال يكفيني خبره فهو في مقام الايمان : والاول في مقام الاحسان هذا قد وصل الى علم اليقين وترقي قلبه منه الى منزلة عين اليقين :وذلك معه التصديق الجازم الذي خرج به من الكفر ودخل به الاسلام :فعين اليقين نوعان نوع في الدنيا ونوع في الآخرة : فالحاصل في الدنيا نسبته الى القلب كنسبة الشاهد الى العين : وما أخبرت به الرسل من الغيبيعاين في الآخرة بالابصار وفي الدنيا بالبصائر فهو عين اليقين في المرتبتين*